خير الدين باشا التونسي الشركسي
ولد سنة 1820 في قرية صغيرة بجبال القوقاز و هو ينتمي الى قبيلة " أباظه " ببلاد الشركس بالجنوب الشرقي من جبال القوقاز وأن والدهتوفي في إحدى الوقائع العثمانية ضد روسيا،فأسر وهو طفل على اثر غارة، ثم بيع في سوقالعبيد بإسطنبول،فتربى في بيت نقيب الأشراف تحسين بك، وانتهى به المطاف إلى قصر بايتونس عندما اشتراه رجال الباي من سيده..وجيء بخير الدين الى تونس وهو في السابعةعشر من عمره سنة 1837،وأصبح مملوكا لأحمد باشا باي الذي قربه وحرص على تربيته وتعليمه . ولحدة ذهنه أقبل على تحصيل الفنون العسكرية و السياسية والتاريخ .عينمشرفا على مكتب العلوم الحربية . اتضحت خصاله الحربية جلية وفاز بالمراتب العسكريةعن جدارة فولاه أحمد باي أميرا للواء الخيالة سنة1849 .
وفي 1854 أرسله أحمد باشا باي إلى فرنسا لبيع مجوهرات لصرفثمنها لإعانة تركيا في حربها ضد روسيا .
وعلى إثر وفاة علي بن غذاهم سنة 1864 كلفه محمد الصادق باي سنة 1869 برئاسة لجنة الكومسين المالي ، ولنجاحه في هذهالمهمة كلفه الصادق باي سنة 1871 بمهمة توثيق الصلة بين تونس والدولة العثمانية ،ثم عينه وزيرا أكبر في أكتوبر 1873 .
و أمام اشتداد الوشايات استقال خيرالدين باشا من جميع وظائفه ، ثم هاجر إلى تركيا في أوت سنة 1878 بأمر من حاكمالبلاد محمد الصادق باي وذلك إرضاء للقناصل المعتمدين لديه وهناك ألح عليه السلطانالتركي عبد الحميد أن يتولى وزارة العدل لكنه رفض ، ثم عاد وقبل الوزارة الكبرى وتوفي بتركيا سنة 1889 .
.
إصلاحات خير الدين التونسي: دون كيشوتيحارب طواحين الهواء؟
شملت الإصلاحات التي قام بها "خير الدين التونسي" ميادين الإدارة والتعليم والاقتصاد؛فألغى الضرائبالسابقة التي تراكمت على الناس وصارت ديونًا تُثقل كاهلهم، وشجع الناس على زراعةالزيتون والنخيل بإلغاء الضرائب على الأراضي الزراعية لمدة عشرين عامًا،وأعاد تنظيم الضرائب على الاستيراد والتصدير، فحدد ضريبة الاسيتيراد بـ (5%) فقط،وخفف ضريبة التصدير، وألغى الحملات العسكرية التي كانت تتكلف أموالا باهظة لجمعالضرائب من القبائل الرُّحَّل التي اعتادت ألا تدفع الضرائب المفروضة عليها إلاعَنوة، وعمل على النهوض بالتعليم ونشر الوعي بين الناس؛ فأنشأ "المدرسة الصادقية" نسبة إلى "الباي محمد الصادق" الحاكم حينئذ بتونس، وقد شملت برامج التعليم بهاالعلوم الحديثة، واللغات الأجنبية إلى جانب اللغة العربية وعلوم الدين. وفي الوقتنفسه استعان برجال من العلماء في إعادة تنظيم الدراسة والتعليم بجامع الزيتونة،وأنشأ مكتبة جديدة تحت اسم المكتبة "العبدلية" على نمط المكتبات الحديثة، وشجعالطباعة، واستقدم بعض المصريين واللبنانيين للعمل فيهما، وطوَّر الصحافة، وأدخلفنونًا جديدة بها.
وأعاد للأوقاف العامة دورها الديني والاجتماعي، وأنشألهذا الغرض جمعية الأوقاف، وأسند رئاستها إلى "محمد بيرم الخامس".
وكان منتصريف القدر أن زاد الخصب في العامين الأولين من وزارته، فساعد ذلك على ازدهارالزراعة والصناعة، والوفاء بالتزامات الديون؛ فعرفت تونس أعوامًا من الطمأنينةوالهدوء.
كما قام بعدة إصلاحات ، وقاوم الحكم الاستبدادي، وعمل على إقامةالعدل ، وساهم في وضع قوانين مجلس الشورى الذي أصبح رئيسا له سنة 1861.
تأليف كتاب أقوم المسالك:
وأمام ازدياد فساد الوضع السياسيفي البلاد نتيجة سوء تصرف المسؤولين وسرقاتهم قدم خير الدين استقالته من جميعوظائفه سنة 1862، واستغرقت فترة انقطاعه سبع سنوات، من سنة 1862 الى سنة 1869. انعزل فيها في بستانه يتأمل ويكتب .. وقد ترك لناحصيلة تأملاته وأفكاره الإصلاحية في كتابه الشهير :
( أقوم المسالك في معرفةأحوال الممالك ) وهو في جانب كبير نتيجة خبرة عملية في ميادين السياسة والاقتصادوالإدارة،