كان الروس منذ زمن بعيد قد تعرفوا على القوقاز والجبليين. ففي سنة 1561 تزوج القيصر ايفان الرهيب من الاميرة ماريا تيمريوكفنا من كاباردين. ومنذ ذلك الحين طلب مختلف الامراء الجبليين عونا من موسكو وقبلوا المواطنة الروسية. وفي عصر ما يسمى بالفترة المظلمة، حيث كانت روسيا نفسها ضعيفة انقطعت العلاقات مع القوقاز، ولكن في زمن القياصرة الاوائل من سلالة رومانوف اعيدت العلاقات بسرعة. وفي وثائق الارشيف مجموعة كبيرة من طلبات الملوك والامراء الجبليين لمنحهم المواطنة الروسية.
وتشير الوثائق الاولية الى ان الاتصالات بين الروس والشيشان كانت في القرن السادس عشر متقطعة ولم تترك اي اثر في التاريخ. وببساطة طبيعية اهتم الروس بجورجيا الارثدوكسية، واهتم الجورجيون بروسيا. وتقع على الطريق بين موسكو وتفليس منطقة القوقاز الشمالي وشعوب جبلية مختلفة ومنهم الشيشان.
وتشير الوثائق الى انه بعد فترة وجيزة، اي في زمن القيصر الكسي ميخائيلوفيتش، ومن ثم ورثته، طلب الشيشانيون من القيصر الروسي بالحاح منحهم الحماية واعدين بطاعة ملك موسكو وتقديم المساعدة له في محاربته اعداء روسيا.
وفي زمن بطرس الأكبر نجل القيصر الكسي ميخائيلوفيتش الذي كان يحارب الفرس فان الجيوش الروسية ليس فقط لم تحصل على مساعدة من الشيشان، بل كانت مجبرين على رد هجمات هجماتهم. وبهذه الفترة بالذات، وردا على هذه الهجمات قام الروس بحملات عسكرية تنكيلية مشكوك في نجاحها ضد الجبليين. وبشكل عام يمكن اعتبار هذه المصادمات حوادث عابره، لان اهتمامات بطرس الاساسية كانت نحو الغرب وليس في القوقاز. اضافة لذلك فان المناطق المجاورة لبحر قزوين والتي اخضعها بطرس تنازل لاحقا عنها لفارس.
وبدأ في زمن الامبراطورة انا ايونوفنا بناء التدعيمات الروسية في القوقاز والتي سميت بخط القوقاز. ولم يكن الهدف من ذلك اخضاع الجبليين الذين كانت عواطفهم وكراهيتهم تتنقل بين روسيا وفارس وتركيا. بل كان هذا الخط يمثل ما يشبه الحدود التي تفصل مناطق النفوذ بين روسيا وتركيا،حسب معاهدة سنة 1739. اضاقة لذلك ساعد هذا الخط على الحفاظ عل
ى اتصالات دائمة مع جورجيا. مرات عديدة ساعد الروس الجورجيين، وقاتلت الفصائل الجورجية الى جانب الروس ضد الاتراك.
وفي عام 1785 عندما هدد عمر خان (قائد) العيفاريين جورجيا،اراد الروس تقديم المساعدة لهم ولكنهم لم يتمكنوا بسبب الحرب المندلعة في الشيشان. وحسب شهادات الكثيرين لم تكن بمنحى عن المشاركة الفعلية للاتراك. عندها بالذات كان على الروس ولاول مرة الصدام مع الشيشانيين. وبدأ الجيش الجبلي "حرب الجهاد ضد الكفرة" بقيادة راع فقير اعلن انه مختار من محمد،وباسم الشيخ منصور. وبالذات فان هذا الراعي الامي من قرية "الدي"وضع اسس الغزوات"حرب الجهاد" في شمال القوقاز.
منصور-الامام الكذاب
حسب شهادات العسكريين الروس كان تعداد قوات منصور في اوج قوته يبلغ 25 الف رجل، وشكل هذا خطورة جدية لكل خط القوقاز. وباءت بالفشل اول محاولة للقوات الروسية بقيادة العقيد يوري بيري الواثق من نفسه للوصول الى"مكان الامام الكذاب". لقد اباد الشيشانيون تقريبا كل الفصيل الروسي. وكان نجاح منصور قصيرا، ولم تتكلل بالنجاح كل محاولاته اللاحقة لاقتحام التحصينات الروسية، وخاصة كيزلار، بل ادت الى خسائر بشرية كبيرة وفقدان نفوذه وهروب الكثير من اتباعه. وبدعم الاتراك بالمال و السلاح للامام الكذاب منصور تمكن لعدة سنوات من ازعاج القوات الروسية، وفي اكتوبر/تشرين اول عام 1787 هزم من قبل القوزاق ولم يتمكن من اعادة تنظيم نفسه. وكان انسحاب منصور خلال الجبال المغطات بالثلوج مأساويا، حيث عثر في الربيع في طريق انسحابه على جثث متجمدة كثيرة، اما منصور نفسه فقد لجأ الى قلعة "سودجوك-كالي" التركية حيث اسر صيف عام 1791 .
هنا نشير مباشرة الى ان دور تركيا وكذلك فارس وانجلترا في حوادث القوقاز اللاحقة سيكون نشطا. فانجلترا خاصة كالعادة تقيم التواجد الروسي في هذه المنطقة كتهديد لسيادتها في الهند، لذلك حاولت جاهدة (نادرا بشكل مباشر،في اغلب الاحيان بمساعدة الاتراك و الايرانيين) كلما سنحت الفرصة، التأثير على احداث القوقاز على ضوء مصالحها.
ومع كل مآسي الحرب الروسية ضد "الشيخ منصور"الكذاب والشيشانيين من مؤازري "حرب الجهاد ضد الكفار" وبرايي فانه حتى هذه الحادثة التاريخية لا يمكن اعتبارها بثقة كاملة نقطة البداية في المواجهة بين الروس والشيشان. ان اكثر اسباب المجابه كان بتأثير شخصية منصور نفسه و تعصبه الديني والتدخلات الاجنبية، وليس خلاف مبدئي بين روسيا و الشيشان، خاصة وان لروسيا تاريخيا علاقات طيبة مع المسلمين الروس ولم يكن من مصلحتها اثارة الحرب في المنطقة على ارضية دينية.